الفن التشكيلي أفق مليئ بالعبقرية والرمزية، والسحر الذي لا نستشعره بالعين المجردة بل نحس به بهمسة اللمس والذوق الفني لدى المبدع المكفوف كما أنّه عشقٌ يمتطيه صاحبه عبر لوحاته وأوراقه وريشته وألوانه التي تفسح له المجال للتعبير أكثر عن كينونة النفس لعالم يرفضه رفضاً بغيضاً.يعبر الفنان التشكيلي الكفيف بحلم وقصيدة بقطعة فنية ت تعبُرُ النجوم والغيوم وتنسج من خلالها حكاية تسرد في المجالس الأدبية والفنية .
وأنا أتصفح كتاب (الفن التشكيلي وعالم المكفوفين) من تأليف الفنان التشكيلي والنحات حميد سباح، الذي صدر عن دار المختار للطباعة والنشر والتوزيع سنة 2013، ولم يلق رواجاً (للأسف) كبيرا من طرف الإعلام والمنابر الثقافية رغم قيمته الفنية والأدبية والعلمية لطرحه مسائلا تتعلق بفنيات وتقنيات الرسم والإحساس باللمس لقراءة اللوحات الفنية من خلال عالم المكفوفين ( والموسوم ب «الفن التشكيلي وعالم تطبيق تقنية البرايعلى الفن التشكيلي» )، وأيضاً تقنيات كيفية الرسم بالألوان من طرف المكفوفين فهذا العالم الذي يعيش التحدي من أجل إبراز وجوده كأي إنسان له قدراته الابداعية والفكرية ، هذا الكتاب الضخم من الحجم الكبير بطباعة غاية في الدقة وكذلك جمال الورق والألوان الزاهية التي تتخلل صفحاته، وأيضا بعض التقنيات لتعليم المكفوف كيفية قراءة اللوحات الفنية من خلال اللمس والإحساس بالصورة المعبرة عن جمال الطبيعة، وحتى كيفية قراءة فن النحت على الحجر، ويضم أيضاً مجموعة من اللوحات الفنية لفنانين مكفوفين استطاعوا إيصال إحساسهم إلى العالم بشكل جميل ولوحات تعبر عن روعة الطبيعة بكل ما تحتويه من بهاء أحيانا نراه نحن لا يوصف إلا بالعين المجردة لكن الفنان المكفوف هنا استطاع أن ينقل لنا جمال الطبيعة بحسه الابداعي الذي لا يوصف، اعتمد الكفيف في البدء على السمع وتطوير إمكانية الكتابة والتعبير عن آلامه وتحديه لإعاقته رغم أنه يجد صعوبة بالغة جداً في فك رموز الحروف قبل اكتشاف طريقة البراي لتفكيك الحروف وقر ائتها، إلاّ أنه تحدى كل الصعاب ووصل إلى مبتغاه، كالعالم اللغوي العربي والمعجمي ابن سيدة الأندلسي ( 1007 _ 1065 ) صاحب «المحكم»و « المخصص « ، ومن منا لا يتذكر لثقافة وفلسفة أبي العلاء المعري ( ورسائل الغفران 973 _ 1057 « صاحب « رسالة الغفران « ومعجز أحمد، وهناك عميد الأدب العربي الكاتب طه حسين ومن منا لا يتذكر تحديه من أجل أن يفرض قوته الفكرية والأدبية، الذي أرخه في كتاب « الأيام «، من هنا كان منطلق تحدي المكفوف للوصول إلى عالم الفن التشكيلي الذي عبر عنه بكل دقة وجماليات الفن وخلّده في لوحات إبداعية غاية في الجمال .
أبدع الكاتب والفنان التشكيلي والنحات حميد سباع في هذا الكتاب بكل مقاييس الفن والإحساس فتح مجالا واسعاً للكفيف أن يخوض عالم الفن بشكل جمالي بدون عراقيل إذ فتحت لهم السلطات مجالا للعمل وإبراز مواهبهم الفنية .
تقديم سليمة مليزي